محل تبلیغات شما

وإن أريد به التدرج من حيث البيان الإجمالي والتفصيلي خوفا من امتناع الناس من القبول ففي غير محله ، فإن ما ذكر بالتصريح في السور السابقة على المائدة أعني الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به أغلب مصداقا ، وأكثر ابتلاء ، وأوقع في قلوب الناس من أمثال المنخنقة والموقوذة وغيرها ، وهي أمور نادرة التحقق وشاذة الوجود ، فما بال تلك الأربعة وهي أهم وأوقع وأكثر يصرح بتحريمها من غير خوف من ذلك ثم يتقي من ذكرها ما لا يعبأ بأمره بالإضافة إليها فيتدرج في بيان حرمتها ، ويخاف من التصريح بها.
على أن ذلك لو سلم لم يكن إكمالا للدين ، وهل يصح أن يسمى تشريع الأحكام دينا وإبلاغها وبيانها إكمالا للدين؟ ولو سلم فإنما ذلك إكمال لبعض الدين وإتمام لبعض النعمة لا للكل والجميع ، وقد قال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » فأطلق القول من غير تقييد.
على أنه تعالى قد بين أحكاما كثيرة في أيام كثيرة ، فما بال هذا الحكم في هذا اليوم خص بالمزية فسماه الله أو سمى بيانه تفصيلا بإشمال الدين وإتمام النعمة.
أو أن المراد بإكمال الدين إكماله بسد باب التشريع بعد هذه الآية المبينة لتفصيل محرمات الطعام ، فما شأن الأحكام النازلة ما بين نزول المائدة ورحلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ بل ما شأن سائر الأحكام النازلة بعد هذه الآية في سورة المائدة؟ تأمل فيه.
وبعد ذلك كله ما معنى قوله تعالى : وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » ـ وتقديره : اليوم رضيت (إلخ) ـ لو كان المراد بالكلام الامتنان بما ذكر في الآية من المحرمات يوم عرفة من السنة العاشرة؟ وما وجه اختصاص هذا اليوم بأن الله سبحانه رضي فيه الإسلام دينا ، ولا أمر يختص به اليوم مما يناسب هذا الرضا؟.
وبعد ذلك كله يرد على هذا الوجه أكثر الإشكالات الواردة على الوجوه السابقة أو ما يقرب منها مما تقدم بيانه ولا نطيل بالإعادة.
أو أن المراد باليوم واحد من الأيام التي بين عرفة وبين ورود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة على بعض الوجوه المذكورة في معنى يأس الكفار ومعنى إكمال الدين.
وفيه من الإشكال ما يرد على غيره على التفصيل المتقدم.
فهذا شطر من البحث عن الآية بحسب السير فيما قيل أو يمكن أن يقال في توجيه معناها ، ولنبحث عنها من طريق آخر يناسب طريق البحث الخاص بهذا الكتاب.
قوله : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ » ـواليأس يقابل الرجاء ، والدين إنما نزل من عند الله تدريجا ـ يدل على أن الكفار قد كان لهم مطمع في دين المسلمين وهو الإسلام ، وكانوا يرجون زواله بنحو منذ عهد وزمان ، وإن أمرهم ذلك كان يهدد الإسلام حينا بعد حين ، وكان الدين منهم على خطر يوما بعد يوم ، وإن ذلك كان من حقه أن يحذر منه ويخشاه المؤمنون.
فقوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ » ، تأمين منه سبحانه للمؤمنين مما كانوا منه على خطر ، ومن تسر به على خشية ، قال تعالى : وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ » : ( آل عمران : ٦٩ ) ، وقال تعالى : وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » : ( البقرة : ١٠٩ ).
والكفار لم يكونوا يتربصون الدوائر بالمسلمين إلا لدينهم ، ولم يكن يضيق صدورهم وينصدع قلوبهم إلا من جهة أن الدين كان يذهب بسؤددهم وشرفهم واسترسالهم في اقتراف كل ما تهواه طباعهم ، وتألفه وتعتاد به نفوسهم ، ويختم على تمتعهم بكل ما يشتهون بلا قيد وشرط.
فقد كان الدين هو المبغوض عندهم دون أهل الدين إلا من جهة دينهم الحق فلم يكن في قصدهم إبادة المسلمين وإفناء جمعهم بل إطفاء نور الله وتحكيم أركان الشرك المتزلة المضطربة به ، ورد المؤمنين كفارا كما مر في قوله : لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً » (الآية) قال تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » الصف : ٩ ) : ( الصف : ٩ ).
وقال تعالى : فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » : ( المؤمن : ١٤ ).
ولذلك لم يكن لهم هم إلا أن يقطعوا هذه الشجرة الطيبة من أصلها ، ويهدموا هذا البنيان الرفيع من أسه بتفتين المؤمنين وتسرية النفاق في جماعتهم وبث الشبه والخرافات بينهم لإفساد دينهم.
وقد كانوا يأخذون بادئ الأمر يفترون عزيمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويستمحقون همته في الدعوة الدينية بالمال والجاه ، كما يشير إليه قوله تعالى : وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ » : ( ـ ص : ٦ ) أو بمخالطة أو مداهنة ، كما يشير إليه قوله : وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ » : ( القلم : ٩ ) ، وقوله : وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً » : ( إسراء : ٧٤ ) ، وقوله : قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ » : ( الكافرون : ٣ ) على ما ورد في أسباب النزول.
وكان آخر ما يرجونه في زوال الدين ، وموت الدعوة المحقة ، أنه سيموت بموت هذا القائم بأمره ولا عقب له ، فإنهم كانوا يرون أنه ملك في صورة النبوة ، وسلطنة في لباس الدعوة والرسالة ، فلو مات أو قتل لانقطع أثره ومات ذكره وذكر دينه على ما هو المشهود عادة من حال السلاطين والجبابرة أنهم مهما بلغ أمرهم من التعالي والتجبر وركوب رقاب الناس فإن ذكرهم يموت بموتهم ، وسننهم وقوانينهم الحاكمة بين الناس وعليهم تدفن معهم في قبورهم ، يشير إلى رجائهم هذا قوله تعالى : إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ : » ( الكوثر : ٣ )
على ما ورد في أسباب النزول.

 

در وصف اسوه حسنه حضرت محمد مصطفی ص

جدول روایات تفسیر الدر المنثور-آیه تطهیر

جدول روایات تفسیر نور الثقلین - آیه تطهیر

، ,في ,على ,» , ,تعالى ,تعالى ,قال تعالى ,قوله ,مِنْ بَعْدِ ,، فما ,وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ,بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ,مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ ,مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ

مشخصات

تبلیغات

محل تبلیغات شما

آخرین ارسال ها

برترین جستجو ها

آخرین جستجو ها

BookWay اولالا | مرجع آموزش آرایش