محل تبلیغات شما

فقد كان هذه وأمثالها أماني تمكن الرجاء من نفوسهم ، وتطمعهم في إطفاء نور الدين ، وتزين لأوهامهم أن هذه الدعوة الطاهرة ليست إلا أحدوثة ستكذبه المقادير ويقضي عليها ويعفو أثرها مرور الأيام والليالي ، لكن ظهور الإسلام تدريجا على كل ما نازله من دين وأهله ، وانتشار صيته ، واعتلاء كلمته بالشوكة والقوة قضى على هذه الأماني فيئسوا من إفساد عزيمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإيقاف همته عند بعض ما كان يريده ، وتطميعه بمال أو جاه.
قوة الإسلام وشوكته أيأستهم من جميع تلك الأسباب أسباب : ـ الرجاء ـ إلا واحدا ، وهو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مقطوع العقب لا ولد له تخلفه في أمره ، ويقوم على ما قام عليه من الدعوة الدينية فسيموت دينه بموته ، وذلك أن من البديهي أن كمال الدين من جهة أحكامه ومعارفه ـ وإن بلغ ما بلغ ـ لا يقوى بنفسه على حفظ نفسه ، وأن سنة من السنن المحدثة والأديان المتبعة لا تبقى على نضارتها وصفائها لا بنفسها ولا بانتشار صيتها ولا بكثرة المنتحلين بها ، كما أنها لا تنمحي ولا تنطمس بقهر أو جبر أو تهديد أو فتنة أو عذاب أو غير ذلك إلا بموت حملتها وحفظتها والقائمين بتدبير أمرها.
ومن جميع ما تقدم يظهر أن تمام يأس الكفار إنما كان يتحقق عند الاعتبار الصحيح بأن ينصب الله لهذا الدين من يقوم مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حفظه وتدبير أمره ، وإرشاد الأمة القائمة به فيتعقب ذلك يأس الذين كفروا من دين المسلمين لما شاهدوا خروج الدين عن مرحلة القيام بالحامل الشخصي إلى مرحلة القيام بالحامل النوعي ، ويكون ذلك إكمالا للدين بتحويله من صفة الحدوث إلى صفة البقاء ، وإتماما لهذه النعمة ، وليس يبعد أن يكون قوله تعالى : وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » : ( البقرة : ١٠٩ ) باشتماله على قوله : حَتَّى يَأْتِيَ » ، إشارة إلى هذا المعنى.
وهذا يؤيد ما ورد من الروايات أن الآية نزلت يوم غدير خم ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة في أمر ولاية علي عليه‌السلام ، وعلى هذا فيرتبط الفقرتان أوضح الارتباط ، ولا يرد عليه شيء من الإشكالات المتقدمة.
ثم إنك بعد ما عرفت معنى اليأس في الآية تعرف أن اليوم : في قوله ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ) ظرف متعلق بقوله : يَئِسَ » وإن التقديم للدلالة على تفخيم أمر اليوم ، وتعظيم شأنه ، لما فيه من خروج الدين من مرحلة القيام بالقيم الشخصي إلى مرحلة القيام بالقيم النوعي ، ومن صفة الظهور والحدوث إلى صفة البقاء والدوام.
ولا يقاس الآية بما سيأتي من قوله : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » (الآية) فإن سياق الآيتين مختلف فقوله : الْيَوْمَ يَئِسَ » ، في سياق الاعتراض ، وقوله : الْيَوْمَ أُحِلَّ » ، في سياق الاستيناف ، والحكمان مختلفان : فحكم الآية الأولى تكويني مشتمل على البشرى من وجه والتحذير من وجه آخر ، وحكم الثانية تشريعي منبئ عن الامتنان. فقوله : الْيَوْمَ يَئِسَ » ، يدل على تعظيم أمر اليوم لاشتماله على خير عظيم الجدوى وهو يأس الذين كفروا من دين المؤمنين ، والمراد بالذين كفروا ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ مطلق الكفار من الوثنيين واليهود والنصارى وغيرهم لمكان الإطلاق.
وأما قوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ » فالنهي إرشادي لا مولوي ، معناه أن لا موجب للخشية بعد يأس الذين كنتم في معرض الخطر من قبلهم ـ ومن المعلوم أن الإنسان لا يهم بأمر بعد تمام اليأس من الحصول عليه ولا يسعى إلى ما يعلم ضلال سعيه فيه ـ فأنتم في أمن من ناحية الكفار ، ولا ينبغي لكم مع ذلك الخشية منهم على دينكم فلا تخشوهم واخشوني.
ومن هنا يظهر أن المراد بقوله : وَاخْشَوْنِ » بمقتضى السياق أن اخشوني فيما كان عليكم أن تخشوهم فيه لو لا يأسهم وهو الدين ونزعه من أيديكم ، وهذا نوع تهديد للمسلمين كما هو ظاهر ، ولهذا لم نحمل الآية على الامتنان.
ويؤيد ما ذكرنا أن الخشية من الله سبحانه واجب على أي تقدير من غير أن يتعلق بوضع دون وضع ، وشرط دون شرط ، فلا وجه للإضراب من قوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ » إلى قوله : وَاخْشَوْنِ » لو لا أنها خشية خاصة في مورد خاص.
ولا تقاس الآية بقوله تعالى : فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » : ( آل عمران : ١٧٥ ) لأن الأمر بالخوف من الله في تلك الآية مشروط بالإيمان ، والخطاب مولوي ، ومفاده أنه لا يجوز للمؤمنين أن يخافوا الكفار على أنفسهم بل يجب أن يخافوا الله سبحانه وحده.
فالآية تنهاهم عما ليس لهم بحق وهو الخوف منهم على أنفسهم سواء أمروا بالخوف من الله أم لا ، ولذلك يعلل ثانيا الأمر بالخوف من الله بقيد مشعر بالتعليل ، وهو قوله : إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » وهذا بخلاف قوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ » فإن خشيتهم هذه خشية منهم على دينهم ، وليست بمبغوضة لله سبحانه لرجوعها إلى ابتغاء مرضاته بالحقيقة ، بل إنما النهي عنها لكون السبب الداعي إليها ـ وهو عدم يأس الكفار منه ـ قد ارتفع وسقط أثره فالنهي عنه إرشادي ، فكذا الأمر بخشية الله نفسه ، ومفاد الكلام أن من الواجب أن تخشوا في أمر الدين ، لكن سبب الخشية كان إلى اليوم مع الكفار فكنتم تخشونهم لرجائهم في دينكم وقد يئسوا اليوم وانتقل السبب إلى ما عند الله فاخشوه وحده فافهم ذلك.
فالآية لمكان قوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ » لا تخلو عن تهديد وتحذير ، لأن فيه أمرا بخشية خاصة دون الخشية العامة التي تجب على المؤمن على كل تقدير وفي جميع الأحوال فلننظر في خصوصية هذه الخشية ، وأنه ما هو السبب الموجب لوجوبها والأمر بها.؟
لا إشكال في أن الفقرتين أعني قوله. الْيَوْمَ يَئِسَ » ، وقوله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » ، في الآية مرتبطان مسوقتان لغرض واحد ، وقد تقدم بيانه فالدين الذي أكمله الله اليوم ، والنعمة التي أتمها اليوم ـ وهما أمر واحد بحسب الحقيقة ـ هو الذي كان يطمع فيه الكفار ويخشاهم فيه المؤمنون فأيأسهم الله منه وأكمله وأتمه ونهاهم عن أن يخشوهم فيه ، فالذي أمرهم بالخشية من نفسه فيه هو ذاك بعينه وهو أن ينزع الله الدين من أيديهم ، ويسلبهم هذه النعمة الموهوبة.
وقد بين الله سبحانه أن لا سبب لسلب النعمة إلا الكفر بها ، وهدد الكفور أشد التهديد ، قال تعالى : ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » : ( الأنفال : ٥٣ ) وقال تعالى : وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ » : ( البقرة : ٢١١ ) وضرب مثلا كليا لنعمه وما يئول إليه أمر الكفر بها فقال وَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ » : ( النحل : ١١٢ ).

 

در وصف اسوه حسنه حضرت محمد مصطفی ص

جدول روایات تفسیر الدر المنثور-آیه تطهیر

جدول روایات تفسیر نور الثقلین - آیه تطهیر

، ,أن , ,» ,على ,في ,قوله ,» ، , الْيَوْمَ , فَلا ,وَاخْشَوْنِ » ,فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ,إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ,مرحلة القيام بالقيم ,مرحلة القيام بالحامل

مشخصات

تبلیغات

محل تبلیغات شما

آخرین ارسال ها

برترین جستجو ها

آخرین جستجو ها

" فرهنگ واژگان تبری "