محل تبلیغات شما

فالآية أعني قوله : الْيَوْمَ يَئِسَ ـ إلى قوله ـ دِيناً » تؤذن بأن دين المسلمين في أمن من جهة الكفار ، مصون من الخطر المتوجه من قبلهم ، وأنه لا يتسرب إليه شيء من طوارق الفساد والهلاك إلا من قبل المسلمين أنفسهم ، وإن ذلك إنما يكون بكفرهم بهذه النعمة التامة ، ورفضهم هذا الدين الكامل المرضي ، ويومئذ يسلبهم الله نعمته ويغيرها إلى النقمة ، ويذيقهم لباس الجوع والخوف ، وقد فعلوا وفعل.
ومن أراد الوقوف على مبلغ صدق هذه الآية في ملحمتها المستفادة من قوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ » فعليه أن يتأمل فيما استقر عليه حال العالم الإسلامي اليوم ثم يرجع القهقرى بتحليل الحوادث التاريخية حتى يحصل على أصول القضايا وأعراقها.
ولآيات الولاية في القرآن ارتباط تام بما في هذه الآية من التحذير والإيعاد ولم يحذر الله العباد عن نفسه في كتابه إلا في باب الولاية ، فقال فيها مرة بعد مرة : وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ » : ( آل عمران : ٣٠٢٨ ) وتعقيب هذا البحث أزيد من هذا خروج عن طور الكتاب.
قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » الإكمال والإتمام متقاربا المعنى ، قال الراغب : كمال الشيء حصول ما هو الغرض منه. وقال : تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه. والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه.
ولك أن تحصل على تشخيص معنى اللفظين من طريق آخر ، وهو أن آثار الأشياء التي لها آثار على ضربين. فضرب منها ما يترتب على الشيء عند وجود جميع أجزائه ـ إن كان له أجزاء ـ بحيث لو فقد شيئا من أجزائه أو شرائطه لم يترتب عليه ذلك الأمر كالصوم فإنه يفسد إذا أخل بالإمساك في بعض النهار ، ويسمى كون الشيء على هذا الوصف بالتمام ، قال تعالى : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » : ( البقرة : ١٨٧ ) وقال : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً » : ( الأنعام : ١١٥ ).
وضرب آخر : الأثر الذي يترتب على الشيء من غير توقف على حصول جميع أجزائه ، بل أثر المجموع كمجموع آثار الأجزاء ، فكلما وجد جزء ترتب عليه من الأثر ما هو بحسبه ، ولو وجد الجميع ترتب عليه كل الأثر المطلوب منه ، قال تعالى : فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ » : ( البقرة : ١٩٦ ) وقال : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ » : ( البقرة : ١٨٥ ) فإن هذا العدد يترتب الأثر على بعضه كما يترتب على كله ، ويقال : تم لفلان أمره وكمل عقله : ولا يقال تم عقله وكمل أمره.
وأما الفرق بين الإكمال والتكميل ، وكذا بين الإتمام والتتميم فإنما هو الفرق بين بابي الإفعال والتفعيل ، وهو أن الإفعال بحسب الأصل يدل على الدفعة والتفعيل على التدريج ، وإن كان التوسع الكلامي أو التطور اللغوي ربما يتصرف في البابين بتحويلهما إلى ما يبعد من مجرى المجرد أو من أصلهما كالإحسان والتحسين ، والإصداق والتصديق ، والإمداد والتمديد والإفراط والتفريط ، وغير ذلك ، فإنما هي معان طرأت بحسب خصوصيات الموارد ثم تمكنت في اللفظ بالاستعمال.
وينتج ما تقدم أن قوله : أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » يفيد أن المراد بالدين هو مجموع المعارف والأحكام المشرعة وقد أضيف إلى عددها اليوم شيء وإن النعمة أيا ما كانت أمر معنوي واحد كأنه كان ناقصا غير ذي أثر فتمم وترتب عليه الأثر المتوقع منه.
والنعمة بناء نوع وهي ما يلائم طبع الشيء من غير امتناعه منه ، والأشياء وإن كانت بحسب وقوعها في نظام التدبير متصلة مرتبطة متلائما بعضها مع بعض ، وأكثرها أو جميعها نعم إذا أضيفت إلى بعض آخر مفروض كما قال تعالى : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها » : ( إبراهيم : ٣٤ ) وقال : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » : ( لقمان : ٢٠ ).
إلا أنه تعالى وصف بعضها بالشر والخسة واللعب واللهو وأوصاف أخر غير ممدوحة كما قال : وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » : ( آل عمران : ١٧٨ ) ، وقال : وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ » : ( العنكبوت : ٦٤ ) ، وقال : لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ » : ( آل عمران : ١٩٧ ) إلى غير ذلك.
والآيات تدل على أن هذه الأشياء المعدودة نعما إنما تكون نعمة إذا وافقت الغرض الإلهي من خلقتها لأجل الإنسان فإنها إنما خلقت لتكون إمدادا إلهيا للإنسان يتصرف فيها في سبيل سعادته الحقيقية ، وهي القرب منه سبحانه بالعبودية والخضوع للربوبية ، قال تعالى : وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » : ( الذاريات : ٥٦ ).
فكل ما تصرف فيه الإنسان للسلوك به إلى حضرة القرب من الله وابتغاء مرضاته فهو نعمة ، وإن انعكس الأمر عاد نقمة في حقه ، فالأشياء في نفسها عزل ، وإنما هي نعمة لاشتمالها على روح العبودية ، ودخولها من حيث التصرف المذكور تحت ولاية الله التي هي تدبير الربوبية لشئون العبد ، ولازمه أن النعمة بالحقيقة هي الولاية الإلهية ، وأن الشيء إنما يصير نعمة إذا كان مشتملا على شيء منها ، قال تعالى : اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » : ( البقرة : ٢٥٧ ) ، وقال تعالى : ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ » : ( محمد : ١١ ) وقال في حق رسوله : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » : ( النساء : ٦٥ ) إلى غير ذلك.
فالإسلام وهو مجموع ما نزل من عند الله سبحانه ليعبده به عباده دين ، وهو من جهة اشتماله ـ من حيث العمل به ـ على ولاية الله وولاية رسوله وأولياء الأمر بعده نعمة.
ولا يتم ولاية الله سبحانه أي تدبيره بالدين لأمور عباده إلا بولاية رسوله ، ولا ولاية رسوله إلا بولاية أولي الأمر من بعده ، وهي تدبيرهم لأمور الأمة الدينية بإذن من الله قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » ( النساء : ٥٩ ) وقد مر الكلام في معنى الآية ، وقال : إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ اَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » : ( المائدة : ٥٥ ) وسيجيء الكلام في معنى الآية إن شاء الله تعالى.
فمحصل معنى الآية : اليوم ـ وهو اليوم الذي يئس فيه الذين كفروا من دينكم ـ أكملت لكم مجموع المعارف الدينية التي أنزلتها إليكم بفرض الولاية ، وأتممت عليكم نعمتي وهي الولاية التي هي إدارة أمور الدين وتدبيرها تدبيرا إلهيا ، فإنها كانت إلى اليوم ولاية الله ورسوله ، وهي أنما تكفي ما دام الوحي ينزل ، ولا تكفي لما بعد ذلك من زمان انقطاع الوحي ، ولا رسول بين الناس يحمي دين الله ويذب عنه بل من الواجب أن ينصب من يقوم بذلك ، وهو ولي الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القيم على أمور الدين والأمة.

 

در وصف اسوه حسنه حضرت محمد مصطفی ص

جدول روایات تفسیر الدر المنثور-آیه تطهیر

جدول روایات تفسیر نور الثقلین - آیه تطهیر

، , ,» ,على ,في ,إلى ,تعالى ,وقال ,قال تعالى ,، قال ,» البقرة ,وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ,دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ ,لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ ,أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

مشخصات

تبلیغات

محل تبلیغات شما

آخرین ارسال ها

برترین جستجو ها

آخرین جستجو ها

زیـرِ نـورِ چـراغ بـرق کانون آگهی وتبلیغات تک مبلّغ ایرانیان